ما قضاه خوان لويس ميندوزا من حياته الراشدة على الأراضي الكندية أكبر من ذاك الذي قضاه في وطنه الأم. فعلى مدى ثمانية أشهر من كل عام من السنوات الثلاثين الماضية، عكف العامل الزراعي المكسيكي على حصاد عباد الشمس والملفوف والخوخ والفراولة في حقول مقاطعة أونتاريو. ولم يحضر حفلات تخرج بناته الثلاث في انتقالهن من المدرسة الابتدائية إلى العليا إلى الجامعة. وانتشر كوفيد-19 وسط عمال المزارع المهاجرين ولقي ثلاثة منهم حتفهم في مقاطعة أونتاريو وأصيب أكثر من ألف عامل بالفيروس، ضمن أسوأ حالات التفشي في كندا. وذرف ميندوزا الدمع وهو يتحدث ليس خوفاً من الفيروس بل بسبب الحنين إلى أسرته البعيدة.
ميندوزا يعترف بكل ما حصل عليه من مزايا من خلال المشاركة في برنامج العمال الأجانب المؤقتين الذي صيغ على غرار النموذج الأميركي. لكنه يشعر بأن التضحية التي قدمها تستحق حصوله على وضعية المقيم الدائم. وأشار إلى أن الناس يلتفتون الآن أخيراً لوضعية المهاجرين. ومضى يقول: «لقد ساهمنا في تنمية كندا، لكننا كنا غير مرئيين حتى ظهور هذا الوباء». وانضم ميندوزا إلى حركة متنامية لعمال الزراعة والرعاية الصحية وطالبي اللجوء الذين يطالبون بالحصول على الإقامة الدائمة في كندا. ويوافق كثير من الكنديين على أن أهمية عملهم والتضحية التي قدموها أثناء أكبر تهديد حديث للحياة الكندية يجب الإقرار بها بالطريقة نفسها التي حدثت في الولايات المتحدة التي منحت المهاجرين الجنسية إذا خدموا في الجيش الأميركي. وأعلن رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو أنه يبحث إمكانية منح الإقامة الدائمة لطالبي اللجوء ممن عملوا في الخطوط الأمامية من الرعاية الصحية.
والقلق الذي ينتاب العمال المهاجرين في كندا يأتي ضمن حركة عالمية ناتجة عن حالة الترقب التي فرضتها الجائحة. وفي الأيام القليلة الماضية، احتج طالبو اللجوء السياسي والعمال غير المرخص لهم بالعمل وعمال الهجرة في مدن كندية، مطالبين بالمزيد من الحقوق والحماية في ظل الجائحة.
ويرى إدوارد دانزوورث، مؤرخ العمالة الزراعية المهاجرة في كندا، أن وضعية العمال المؤقتين تكشف عن نفاق عميق، لأن «أكثر العمال أهمية في اقتصادنا يحصلون على أسوأ معاملة وأقل أجر». وكسبت حركة المهاجرين زخماً في مقاطعة كيبيك التي مثلت مركز انتشار كوفيد-19 في كندا، فنصف حالات الإصابة وأكثر من 5400 وفاة وقعت فيها. ونحو 80% من الإصابات وقعت في منشآت الرعاية التي أنهكها الوباء لدرجة أن الجيش اضطر لتقديم المساعدة في ربيع العام الجاري. وكذلك ساعد طالبو اللجوء السياسي في مساعدة دور الرعاية تلك بحسب قول ويلنر كايو، الناشط في جماعة «الدفاع عن الكرامة» في كيبيك. ومضى يقول إن ما بين 1200 و1400 من طالبي اللجوء يعملون في قطاع الرعاية الصحية في كيبيك وكثير منهم من هايتي وشمال أفريقيا وقطاع كبير منهم نساء غير بيضاوات يعيشن في فقر.
وبدأ رئيس وزراء مقاطعة كيبيك فرانسوا لوجو يشير إلى عمال الرعاية المنزلية هؤلاء باعتبارهم «ملائكة حارسين». وهذا تغير كبير عن الخطاب الذي دفع به إلى المنصب في المقام الأول. ففي أغسطس 2017، أعلن أنه لا يمكن توقع أن تقبل كيبيك «كل بؤس العالم». لكنه الآن يعترف بالخدمة التي قدمها الفارون من البؤس هؤلاء.
ويرى كايو، من جماعة «الدفاع عن الكرامة»، أن طالبي اللجوء يعانون نفسياً لأنهم غير متأكدين مما إذا كانوا سيواجهون الترحيل إذا انتهت الجائحة واُعتبر ما قاموا به من عمل «غير أساسي». ومضى يقول إن فرانسوا لوجو قارنهم بـ«الملائكة الحارسين» ووصفهم جوستين ترودو عمال إغاثة انسانية، لكن رغم هذا التقريظ، «مازلنا نتركهم في حالة غير مستقرة». والمقترحات الحالية تنصب على عمال الرعاية الصحية، مما دشن نقاشاً حول ما تعنيه كلمة «أساسي» وحول السبب الذي لا يجعل العاملين في إعداد الأغذية أو حراس الأمن في دور الرعاية، على السبيل المثال، ينضوون تحت هذا التعريف.
وترى باتي لينارد، المدرّسة المساعدة بجامعة أوتاوا أن كل الذين هم بحاجة إلى حماية في كندا يجب حصولهم عليها. ومضت تقول: «هناك إرادة سياسية اليوم في الحكومة التي كانت تتردد من قبل في الاعتراف بمزاعم طالبي اللجوء وكانت معادية إلى حد كبير لفئات معينة من المهاجرين». ومن بين هذه الفئات العمال المؤقتون الذين يصل عددهم إلى 60 ألفاً كل عام ممن يعملون في الزراعة وإنتاج الغذاء.
ويرى دانزوورث، مؤرخ العمالة الزراعية المهاجرة، إن وضعية الإقامة الدائمة للعمال المؤقتين ستحميهم وتمكنهم من الابتعاد عن رؤساء العمل الفاسدين والظروف غير الملائمة أو ظروف المعيشة الفقيرة في ظل الظروف البيئية الحالية بشكل خاص. وأضاف أن وضعية الإقامة الدائمة لن تحل كل المشكلات لكن هناك مشكلات كثيرة تتعلق بقضية الوضع القانوني تلك.
*رئيسة مكتب «كريستيان ساينس مونيتور» في مدينة تورونتو الكندية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»